
كان باريس سان جيرمان غارقا في دوامة من الأزمات الفنية والذهنية كادت أن تدمر مشروع مدربه لويس إنريكي في مهده.
ورغم أن "بي إس جي" لم يعان من مشكلة في مشواره بالدوري الفرنسي في ظل الفوارق الشاسعة مع المنافسين، ولكن واجه اختبارات قاسية في بداية مشوار الفريق بدوري أبطال أوروبا بنظامه الجديد، حيث سقط أمام آرسنال وبايرن ميونخ وأتلتيكو مدريد وتعادل بشق الأنفس مع آيندهوفن.
واضطر المدرب الإسباني لاتخاذ قرارات ثورية أحدثت ضجة واسعة في وسائل الإعلام الفرنسية، استهدف بها كسر غرور بعض النجوم دفاعا عن فلسفته التي ترتكز على فريق يدافع بـ11 لاعبا ويهاجم بـ11.
كما أفرط في تدوير التشكيل الأساسي بشكل عرضه للانتقادات، ودفعه للدخول في حرب شرسة مع الصحافة الفرنسية برسائل حادة في مؤتمراته الصحفية.
لكن كسب إنريكي الرهان، وحول "بي إس جي" إلى طوفان مدمر، ومرشح قوي للفوز بدوري أبطال أوروبا بفضل بعض النقاط المحورية.
برج عال
فرض جيانلويجي دوناروما سطوته في حديقة الأمراء، وبات الحارس الأساسي للفريق في آخر 3 مواسم رغم المشاكل الفنية والذهنية التي يعانيها في الاختبارات الكبيرة.
كلف دوناروما بأخطائه في الارتباك عند بناء الهجمة من الخلف أو عدم التركيز في التعامل مع الكرات العرضية، الفريق الباريسي الخسارة في أحداث مؤثرة.
لا ينسى الكثيرون خطأ دوناروما أمام بنزيما الذي كان مفتاح عودة ريال مدريد وتأهله في 2022، أو ارتباك الإيطالي الدولي في مباراتي دورتموند بقبل النهائي في الموسم الماضي.
EPA
واستمرت هفوات الإيطالي الدولي في مباراة آرسنال هذا الموسم، وكلفت "بي إس جي" الخسارة بثنائية في ملعب الإمارات، ليظهر إنريكي العين الحمراء لنجم جديد.
وغامر المدرب الإسباني بوضع دوناروما على مقاعد البدلاء، ومنح الفرصة للروسي ماتفي سافونوف ليكون الحارس الأساسي في عدد من المباريات، منها الخسارة أمام بايرن ميونخ في أليانز أرينا التي عقدت الأمور أكثر فأكثر.
وأراد إنريكي توصيل رسالة ذهنية أكثر منها فنية، وهي أنه لا يوجد أحد لا مساس به في الفريق.
وبالفعل، كان هذا القرار كان نقطة تحول في مشوار دوناروما مع باريس وبات أكثر جدية وتركيزا بل وتأثيرا في اختبارات حاسمة بفضل تصدياته الحاسمة في مباريات ليفربول وأستون فيلا وأيضا شتوتجارت ومانشستر سيتي في أواخر مرحلة الدوري.
كما تغيرت لهجة دوناروما الذي لطالما كان يتحدث من برج عال عن مكانه في التشكيل الأساسي إلى لاعب بطموح جديد يتوسل علنا مسؤولي ناديه لتجديد عقده.
سلاح فتاك
لم يكن دوناروما وحده أبرز ضحايا مباراة آرسنال الأولى بل سبقه زميله عثمان ديمبلي الذي فاجأ إنريكي الجميع باستبعاده من رحلة السفر إلى لندن.
ولم يلتفت إنريكي لضغوط واستفسارات وسائل الإعلام عن قراره المثير للجدل بل قرر أن يعاقب النجم الفرنسي بسبب تأخره عن حصة تدريبية.
وخسر إنريكي وباريس في معقل آرسنال، ولكنه ربح مكسبا على المدى البعيد، حيث بات ديمبلي سلاحا فتاكا هو الأخطر في باريس.
EPA
كانت عقوبة إنريكي نقطة تحول في عقلية ديمبلي الذي بات أكثر جدية وتركيز في التدريبات، بل ويخوض وحدات إضافية لتطوير قدراته وفقا لتأكيدات عضو بالجهاز الفني لصحيفة "ليكيب".
وبالفعل تحول ديمبلي إلى ماكينة لا تهدأ وسجل 18 هدفا منذ بداية 2025 بخلاف عدد كبير من التمريرات الحاسمة، مستفيدا أيضا من قرار إنريكي بتغيير مركزه إلى مهاجم صريح.
ولم يتحسن ديمبلي فنيا فقط بل ذهنيا أيضا، بل حرص إنريكي على تطوير قدراته القيادية ليساعد زملائه داخل أرض الملعب، وهو أمر لمسه أيضا عدد كبير من لاعبي الفريق، وأكدوا عليه مؤخرا في أحاديثهم لوسائل الإعلام.
وفي هذا الصدد، قال إنريكي: "العامل الذهني مهم في المباريات الكبيرة، فهو يصنع الفارق، وتجاوزنا بفضله لحظات عصيبة في بداية الموسم، جعلتنا أقوى في الوقت الحالي".
صفقات سوبر
في بداية الموسم الجاري، كان برادلي باركولا هو السلاح الأكثر فاعلية بين عناصر الخط الأمامي في "بي إس جي".
وتصدر باركولا قائمة هدافي الدوري الفرنسي لأسابيع طويلة، ولكن تراجع مستواه تدريجيا في ظل معاناة باريس من عدم الكفاءة أمام مرمى المنافسين، وهو ما كلفه كثيرا في بداية الموسم وحتى في الخسارة أمام ليفربول في دور الـ 16 بسبب كثرة الفرص الضائعة.
ولم يفقد إنريكي ثقته في باركولا، بل تغير تصنيف الجناح الفرنسي الشاب في أجندة المدرب الإسباني، وبات يحتفظ به لسيناريوهات فنية معينة خاصة في ملاعب المنافسين عندما يلجأ باريس للهجمات المرتدة مستغلا سرعة باركولا في الانطلاق بالمساحات الواسعة.
في نفس الوقت، عمل إنريكي على إيجاد حلول هجومية مهارية تجيد التعامل مع المساحات الضيقة عند تكتل المنافسين بكثافة عددية أمام المرمى.
وهنا كان لإنريكي بصمة واضحة في صفقات سوبر لمعت وتوهجت، مثل ديزيريه دوي الجناح الفرنسي الشاب المنضم من رين مطلع الموسم الجاري.
ولم يكن دوي (19 عاما) مؤثرا في بداية الموسم لكنه بات حاليا ركيزة لا غنى عنها بفضل مهاراته في المراوغة وقوة تسديداته التي كان لها دور كبير في حسم مواجهات ثقيلة أمام ليفربول وأستون فيلا ومانشستر سيتي.
كما أضاف لويس إنريكي قطعة مؤثرة لهجوم باريس في منتصف الموسم بضم خفيتشا كفاراتسخيليا من نابولي، الذي يتسم أيضا بالخفة والسرعة والمهارة والشراسة، وكان حلا مؤثرا أمام التكتلات الدفاعية.
وكان كفاراتسخيليا حاسما أيضا في المباريات الكبيرة، واندمج سريعا مع أجواء باريس، ولم يستغرق وقتا طويلا في فرض نفسه على التشكيل الأساسي على حساب عناصر أخرى مثل باركولا أو لي كانج إن أو ماركو أسينسيو الذي رحل معارا في يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال إنريكي عن اللاعب الجورجي: "أعرف خفيتشا منذ فترة طويلة، فهو لاعب مهاري وملتزم بواجباته الدفاعية، وصفقة كنت أسعى إليها منذ بداية تولي المسؤولية".